رأيت في العقل نوع منازعة للتطلع إلى معرفة جميع حكم الحق عز وجل في حكمه.
وربما لم يبين له شيء منها - مثل النقض بعد البناء - فيقف متحيراً.
وربما انتهز الشيطان تلك الفرصة فوسوس إليه: أين الحكمة من هذا.
فقلت له احذر أن تخدع يا مسكين إنه قد ثبت بالدليل القاطع فيما رأيت من إتقان الصنائع مبلغ حكمة الصانع فإن خفي عليك بعض الحكم فلضعف إدراكك.
يكفيك الجمل وإياك إياك أن تتعرض لما يخفى عليك.
فإنك بعض موضوعاته وذرة من مصنوعاته.
فكيف تتحكم على من صدرت عنه.
ثم قد ثبتت عندك حكمته وحكمه وملكه فأعمل آلتك على قدر قوتك في مطالعة ما يمكن من الحكم فإنه سيورثك الدهش.
وغمض عما يخفى عليك فحقيق بذي البصر الضعيف ألا يقاوي نور الشمس.
فصل سياسة النفس أعجب الأشياء مجاهدة النفس.
لأنها تحتاج إلى صناعة عجيبة.
فإن أقواماً أطلقوها فيما تحب فأوقعتهم فيما كرهوا.
وإن أقواماً بالغوا في خلافها حتى منعوها حقها وظلموها.
وأثر ظلمهم لها في تعبداتهم فمنهم من أساء غذاءها فأثر ذلك ضعف بدنها عن إقامة واجبها.
ومنهم من أفردها في خلوة أثمرت الوحشة من الناس وآلت إلى ترك فرض أو فضل من عيادة مريض أو بر والدة.
وإنما الحازم من تعلم منه نفسه الجد وحفظ الأصول.
فإذا فسح لها في مباح لم تتجاسر أن تتعداه.
فيكون معها كالملك إذا مازح بعض جنده فإنه لا ينبسط إليه الغلام.
فإن انبسط ذكر هيبة المملكة.
فكذلك المحقق يعطيها حظها ويستوفي منها ما عليها.